ما حكم الزيادة على العدد الوارد في الأذكار ؟
السؤال:كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ) أخرجه مسلم (2692) ، وبين السؤال رقم : 148699 الذي فيه أنه لا يزاد على العدد الوارد في الأذكار ؟
الجواب : الحمد لله
ذكر الله على قسمين : ذكر مطلق وذكر مقيد ، وقد جاء ذكر القسمين في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) سورة الأحزاب :41-42 ، وقوله تعالى : ( وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ ) سورة آل عمران : 41 .
والذكر المطلق : هو الذكر الذي لم يقيد بزمان أو مكان أو حال ، بل يذكر الإنسان فيه ربه على كل حال ، كما كان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك ، فقد روى مسلم (373) عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه .
والإكثار من هذا النوع من الذكر مرغوب فيه شرعاً ، فقد قال تعالى : ( وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) سورة الأحزاب : 35 ، وقال تعالى : ( وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) سورة الأنفال : 45 .
وروى مسلم ( 2676 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة ، فمر على جبل ، يقال له جمدان ، فقال : ( سِيرُوا هَذَا جُمْدَانُ سَبَقَ الْمُفَرِّدُونَ ) ، قالوا : وما المفردون يا رسول الله ؟ قال : ( الذَّاكِرُونَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتُ ) .
أما الذكر المقيد : فهو الذكر الذي قيد بزمان أو مكان أو حال أو بصيغة وعدد معين ، فهذا النوع من الأذكار الأصل فيه أن يتقيد الإنسان بما ورد .
ومثال هذا النوع : الأذكار الواردة دبر الصلوات ، وأذكار النوم ، وأذكار الصباح والمساء ، وغير ذلك من الأذكار المقيدة ، فهذه يفعلها الإنسان كما وردت من حيث الصيغة والعدد .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " واستنبط من هذا أن مراعاة العدد المخصوص في الأذكار معتبرة ، وإلا لكان يمكن أن يقال لهم : أضيفوا لها التهليل ثلاثا وثلاثين ، وقد كان بعض العلماء يقول : إن الأعداد الواردة كالذكر عقب الصلوات إذا رتب عليها ثواب مخصوص ، فزاد الآتي بها على العدد المذكور لا يحصل له ذلك الثواب المخصوص ؛ لاحتمال أن يكون لتلك الأعداد حكمة وخاصية تفوت بمجاوزة ذلك العدد .... " انتهى من " فتح الباري لابن حجر " (2/330) – ترقيم الشاملة - .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الأولى " (24/203) : " أما الأدعية والأذكار المأثورة ، فالأصل فيها التوقيف ، من جهة الصيغة والعدد ، فينبغي للمسلم أن يراعي ذلك ، ويحافظ عليه ، فلا يزيد في العدد المحدد ولا في الصيغة ولا ينقص من ذلك ولا يحرف فيه ، وبالله التوفيق " انتهى .
ويدل على أنه يُقتصر على الوارد في الذكر المقيد : أنه عليه الصلاة والسلام لم ينقل عنه أنه زاد على الصيغة الواردة في بعض الأذكار ، كأذكار أدبار الصلوات - مثلاً - ، بل لما شكا له فقراء المهاجرون أن الأغنياء صاروا يقولون الذكر الوارد عقب الصلاة ، لم يشرع لهم الزيادة على العدد ( ثلاثا وثلاثين ) بل قال ( ذلك فضل الله يؤته من يشاء ) ، فدل ذلك على أن الذكر محصور بعدد معين .
وأما الجواب عن الحديث الذي جاء فيه : ( مَنْ قَالَ حِينَ يُصْبِحُ وَحِينَ يُمْسِي : سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ ، لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَفْضَلَ مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَدٌ قَالَ مِثْلَ مَا قَالَ أَوْ زَادَ عَلَيْهِ ) ، فيقال : الحديث فيه احتمال أن تكون الزيادة من نفس الذكر ، فيكون هذا الذكر مستثنى من جواز الزيادة على الوارد بهذا النص ، واحتمال أن تكون الزيادة من الذكر عموماً ، فيكون المعنى : قال ذلك الذكر الوارد ثم زاد عليه ذكراً آخر .
قال النووي رحمه الله : " قوله صلى الله عليه وسلم : ( فِيمَنْ قَالَ فِي يَوْم : لَا إِلَه إِلَّا اللَّه وَحْده لَا شَرِيك لَهُ ، لَهُ الْمُلْك وَلَهُ الْحَمْد وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْء قَدِير مِائَة مَرَّة , لَمْ يَأْتِ أَحَد بِأَفْضَل مِمَّا جَاءَ بِهِ إِلَّا أَحَد عَمِلَ أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ ) هذا فيه دليل على أنه لو قال هذا التهليل أكثر من مائة مرة في اليوم , كان له هذا الأجر المذكور في الحديث على المائة , ويكون له ثواب آخر على الزيادة , وليس هذا من الحدود التي نهى عن اعتدائها ومجاوزة أعدادها ، وأن زيادتها لا فضل فيها أو تبطلها ، كالزيادة في عدد الطهارة وعدد ركعات الصلاة .
ويحتمل أن يكون المراد : الزيادة من أعمال الخير لا من نفس التهليل ، ويحتمل أن يكون المراد مطلق الزيادة ، سواء كانت من التهليل أو من غيره ، أو منه ومن غيره ، وهذا الاحتمال أظهر والله اعلم " انتهى من " شرح مسلم للنووي " (17/ 17) – ترقيم الشاملة - .
والخلاصة : أن الذكر نوعان : مطلق ومقيد ، فالمطلق ليس له عدد محدد ، بل يذكر الإنسان ربه قدر استطاعته ، أما المقيد ، فالأصل فيه أن يتقيد الذاكر فيه بما ورد صيغةً وعدداً ، إلا ما دل النص أنه يزاد فيه على الوارد ، كقول : ( سبحان الله وبحمده مائة ) ، وقول : ( لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير مائة ) ، ففي هذه الحال لو زاد الشخص على مائة ، فلا بأس .
والله أعلم