siedaty Admin
عدد المساهمات : 6940 نقاط : 20696 تاريخ التسجيل : 01/04/2010
| موضوع: شرح الحديث الشريف ( اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإذا اختلفتم فقوموا عنه ) الإثنين أبريل 15, 2013 4:15 pm | |
| السؤال : ما معنى الحديث : ( اقرءوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم ، فإذا اختلفتم فقوموا عنه ) . فأنا أحاول أن أداوم على ختم القرآن كل أسبوع حفظا ، أو من المصحف ، أو في الصلاة ، وقد يتراكم علي الورد فأقرأ بسرعة لكي أتدارك ما فاتني ؛ لأني عندما أتأخر في الورد أحس بنقص في الإيمان ، وقد أحس أحيانا بنفور . فهل ما أفعله صحيح ؟
الجواب : الحمد لله بداية هنيئا لك هذه الهمة العالية ، وهذا الحرص على تلاوة كتاب الله تعالى ، فتلك من نعم الله تعالى على الخاصة من عباده ، يغبطهم عليها الناس ، كما قال عليه الصلاة والسلام : ( لاَ حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ ، وَآنَاءَ النَّهَارِ ، فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ ، فَقَالَ : لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الحَقِّ ، فَقَالَ رَجُلٌ : لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلاَنٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ ) رواه البخاري (5026) ويقول الله عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ . لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ ) فاطر/29-30. وأخذك نفسك بالالتزام بورد معين لا تنقطع عنه مهما كانت الظروف هو من خير الأسباب المعينة على العبادة ، وعلى التعلق بكلام الله عز وجل ، وقد كان الصالحون من قبل يحرصون على أورادهم اليومية ، لا يفارقونها مهما طرأت الشواغل ، ولو أدى ذلك إلى التعجل شيئا ما في القراءة والتلاوة لتدارك ما فات ، فالتلاوة من أفضل العبادات ، سواء كانت بتأن وتدبر ، أم كانت باستعجال وتقليب نظر ، فعن ابن شوذب قال : " كان عروة يقرأ ربع القرآن في كل يوم نظرا في المصحف ، ويقوم به بالليل ، فما تركه إلا ليلة قطعت رجله ، ثم عاوده من الليلة المقبلة " رواه البيهقي في " شعب الإيمان " (3/513) . لكن لا شك أن مزيد الأجر متعلق بمزيد التدبر والتفكر ، إلا أنه يمكن الاكتفاء بالتلاوة مع قدر من الاستعجال في بعض الأيام لتحقيق مصلحة الالتزام بالعبادة والمواظبة على الورد ، كما قال الإمام النووي رحمه الله : " من كان يظهر له بدقيق الفكر لطائف ومعارف فليقتصر على قدر ما يحصل له كمال فهم ما يقرؤه ، وكذا من كان مشغولا بنشر العلم ، أو غيره من مهمات الدين ومصالح المسلمين العامة ، فليقتصر على قدر لا يحصل بسببه إخلال بما هو مرصد له ، وإن لم يكن من هؤلاء المذكورين فليستكثر ما أمكنه من غير خروج إلى حد الملل والهذرمة " انتهى من " التبيان في آداب حملة القرآن " (ص/61) أما الحديث الشريف الذي أشكل عليك ، وهو حديث جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( اقْرَءُوا القُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ ، فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عَنْهُ ) رواه البخاري (5060) ومسلم (2667) . فلا تعلق له بما سبق ، وإنما يتحدث عن اختلاف قلوب الناس وتنازعهم وتفرقهم بسبب تناقض أفهامهم للثوابت من أركان الدين وضرورياته ، أو بسبب جهلهم بالقراءات الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فلما كانت مصلحة الوحدة والتآلف أعظم من مصلحة التلاوة المجردة كان الأولى تقديم المصلحة العليا على ما دونها من المستحبات . قال ابن الجوزي رحمه الله : " كان اختلاف الصحابة يقع في القراءات واللغات ، فأمروا بالقيام عند الاختلاف لئلا يجحد أحدهم ما يقرأ الآخر فيكون جاحدا لما أنزله الله عز وجل " . انتهى من "كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/47)" . وقال الإمام النووي رحمه الله : " الأمر بالقيام عند الاختلاف في القرآن محمول عند العلماء على اختلاف لا يجوز ، أو اختلاف يوقع فيما لا يجوز ، كاختلاف في نفس القرآن ، أو في معنى منه لا يسوغ فيه الاجتهاد ، أو اختلاف يوقع في شك أو شبهة أو فتنة وخصومة أو شجار ونحو ذلك . وأما الاختلاف في استنباط فروع الدين منه ، ومناظرة أهل العلم في ذلك على سبيل الفائدة وإظهار الحق ، واختلافهم في ذلك ، فليس منهيا عنه ، بل هو مأمور به ، وفضيلة ظاهرة ، وقد أجمع المسلمون على هذا من عهد الصحابة إلى الآن " انتهى من " شرح مسلم " (16/218-219) . وقال ابن بطال رحمه الله في شرح هذا الحديث : " فيه الحض على الألفة والتحذير من الفرقة في الدين ، فكأنه قال : اقرءوا القرآن والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه ، فإذا اختلفتم فقوموا عنه ، أي فإذا عرض عارض شبهة توجب المنازعة الداعية إلى الفرقة فقوموا عنه ، أي فاتركوا تلك الشبهة الداعية إلى الفرقة ، وارجعوا إلى المحكم الموجب للألفة ، وقوموا للاختلاف وعما أدى إليه ، وقاد إليه ، لا أنه أمر بترك قراءة القرآن باختلاف القراءات التي أباحها لهم ؛ لأنه قال لابن مسعود والرجل الذي أنكر عليه مخالفته له في القراءة : ( كلاكما محسن ) ، فدل أنه لم ينهه عما جعله فيه محسنًا ، وإنما نهاه عن الاختلاف المؤدي إلى الهلاك بالفرقة في الدين " . انتهى من " شرح صحيح البخاري " (10/285) . وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قوله ( فإذا اختلفتم ) أي : في فهم معانيه ( فقوموا عنه ) أي : تفرقوا ؛ لئلا يتمادى بكم الاختلاف إلى الشر . قال عياض : يحتمل أن يكون النهي خاصا بزمنه صلى الله عليه وسلم ؛ لئلا يكون ذلك سببا لنزول ما يسوؤهم ، كما في قوله تعالى : ( لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ). ويحتمل أن يكون المعنى : اقرءوا والزموا الائتلاف على ما دل عليه وقاد إليه ، فإذا وقع الاختلاف ، أو عرض عارض شبهة يقتضي المنازعة الداعية إلى الافتراق : فاتركوا القراءة ، وتمسكوا بالمحكم الموجب للألفة ، وأعرضوا عن المتشابه المؤدي إلى الفرقة . وهو كقوله صلى الله عليه وسلم : ( فإذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فاحذروهم ). ويحتمل أنه ينهى عن القراءة إذا وقع الاختلاف في كيفية الأداء ، بأن يتفرقوا عند الاختلاف ويستمر كل منهم على قراءته ، ومثله ما تقدم عن ابن مسعود لما وقع بينه وبين الصحابيين الآخرين الاختلاف في الأداء فترافعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( كلكم محسن ) وبهذه النكتة تظهر الحكمة في ذكر حديث ابن مسعود عقيب حديث جندب ". انتهى من " فتح الباري " (9/101) . والله أعلم .
|
|